عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة..
لقد اختار الله لهذه الأمة الفطرة النقية ، وجعلها أخص خصائص دينها ، وهدى نبيها صلى الله عليه وسلم إلى الفطرة ، ففي حديث الإسراء , عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسري بي لقيت موسى قال فنعته فإذا رجل حسبته قال مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة قال ولقيت عيسى قال فنعته قال ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني الحمام ورأيت إبراهيم قال وأنا أشبه ولده به قال وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي هديت للفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك . قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
صحيح الترغيب والترهيب 7/130,انظر حديث رقم : 5468 في صحيح الجامع .
( 1 ) الفطرة في عبادة الله وتوحيده :
وتبرز هذه الفطرة أولاً بالحاجة المركوزة في النفس البشرية لعبادة الله ، قال تعالى : \" أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) سورة الروم .
فالإنسان بفطرته منذ ولادته يتجه إلى التوحيد الخالص وإلى عبادة الله تعالى وحده , عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَالإسلام الفطرة كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، كَمَا تُنَاتَجُ الإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ.)\".
أخرجه مالك ((الموطأ)) 165 و((أحمد)) 2/244(7321) و((مسلم)) و((أبو داود)) 4714 و((ابن حِبان)) 133 .
و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ ، فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ ، إِمَّا شَاكِرًا ، وَإِمَّا كَفُورًا. أخرجه أحمد 3/353(14865) .
وها هو الخليل إبراهيم عليه السلام يضرب لنا مثلا رائعا في أن الفطرة السليمة تتجه إلى عبادة الله وحده , قال تعالى : \" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)سورة الأنعام .
سئل أعرابي عن الدليل فقال : البعرة تدل على البعير . والروث على الحمير ، وآثار الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج . وبحار ذات أمواج ، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟ , قال سبحانه : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله } [ الزخرف : 87 ] ، { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [ غافر : 87 ] .
قال الشاعر :
تأمل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات ... وأزهار كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك
وقال آخر :
فيَا عَجَباً كيف يُعْصَى الإلهُ ... أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ؟!
وللهِ في كل تحريكةٍ ... وتسكينةٍ أبداً شاهدُ
وفي كُلِّ شَيءٍ له آيةٌ ... تَدُلُّ على أنَّه واحِدُ
ولقد أيقن كفار قريش هذه الحقيقة التي لا تتصادم مع الفطرة السليمة , قال زيد بن عمرو بن نوفل الذي ترك عبادة الأصنام قبل أن يبعث النبي \" صلى الله عليه وآله وسلم \" حيث يحكي عن عقيدته في الجاهلية ويقول :
أرب واحد أم ألف رب * أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعاً * كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها * ولا صنمي بني عمرو أزور
ولا غنما أدين وكان ربا * لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت وفي الليالي معجبات * وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالاً * كثيرا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قوم * فيربل منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يوماً * كما يتروح الغصن النضير
ولكن أعبد الرحمن ربي * ليغفر ذنبي الرب الغفور
فتقوى الله ربكم احفظوها * متى ما تحفظوها لا تبوروا
ترى الأبرار دارهم جنان * وللكفار حامية سعير
وخزي في الحياة وإن يموتوا * يلاقوا ما تضيق به الصدور
راجع البداية والنهاية البداية والنهاية - الجزء الثاني - ( 30 من 239 ) .
وها هو الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري ذهب ذات يوم ليقدم مراسيم الطاعة لصنمه ، وبينما هو كذلك وجد ثعلبا متسلق على رأس الصنم وقد بال عليه فوقف متعجبا\" ساخرا\" مما حدث وانشد قائلا:
رب يبول الثعلبان برأسه * * * لقد ذل من بالت عليه الثعالب
فلو كان ربا كان يمنع نفسه * * * فلا خير في رب نأته المطالب
برئت من الأصنام في الأرض كلها * * * وآمنت بالله الذي هوغالب
وعَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ عَقَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ؟ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ ، فَقُلْنَا : هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : قَدْ أَجَبْتُكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ ، فَقَالَ : سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ، فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ ، اللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللهِ ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : أَن ْشُدُكَ بِاللهِ ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللهِ ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي ، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ ، أَخُو بَنِى سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. أخرجه أحمد 3/168(12749) و\"البُخَاريّ\" 63 و\"أبو داود\" 486 و\"ابن ماجة\" 1402 \"النَّسائي\" 4/122 .
وانظر إلى قصة عمرو بن الجموح مع صنمه والتي تؤكد أن الإسلام هو دين الفطرة الحقيقي , فقد كان عمرو بن الجموح سيدا من سادات الأنصار وكان له صنم اسمه مناف .. يتقرب إليه .. ويسجد بين يديه مناف و مفزعه عند الكربات وملاذه عند الحاجات ..صنم صنعه من خشب .. لكنه أحب إليه من أهله وماله وكان شديد الإسراف في تقديسه وتزيينه وطييبه وتلبيسه وكان هذا دأبه مذ عرف الدنيا حتى جاوز عمره الستين سنة ..فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة .. وأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه داعيةً ومعلماً لأهل المدينة .. أسلم ثلاثة أولاد لعمرو بن الجموح مع أمهم دون أن يعلم .. فعمدوا إلى أبيهم فأخبروه بخبر هذا الداعي المعلم وقرؤوا عليه القرآن .. وقالوا : يا أبانا قد اتبعه الناس فما ترى في إتباعه ؟ فقال : لست أفعل حتى أشاور مناف فأَنظُرَ ما يقول !! ثم قام عمرو إلى مناف .. وكانوا إذا أرادوا أن يكلموا أصنامهم جعلوا خلف الصنم عجوزاً تجيبهم بما يلهمها الصنم في زعمهم .. أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى مناف .. وكانت إحدى رجليه أقصر من الأخرى .. فوقف بين يدي الصنم .. معتمداً على رجله الصحيحة .. تعظيماً واحتراماً .. ثم حمد الص نم وأثنى عليه ثم قال : يا مناف لا ريب أنك قد علمت بخبر هذا القادم ولا يريد أحداً بسوء سواك .. وإنما ينهانا عن عبادتك .. فأشِرْ عليّ يا مناف .. فلم يردَّ الصنم شيئاً .. فأعاد عليه فلم يجب .. فقال عمرو : لعلك غضبت .. وإني ساكت عنك أياماً حتى يزول غضبك .. ثم تركه وخرج فلما أظلم الليل .. أقبل أبناؤه إلى مناف .. فحملوه وألقوه في حفرة فيها أقذار وجيف .. فلما أصبح عمرو دخل إلى صنمه لتحيته فلم يجده .. فصاح بأعلى صوته : ويلكم !! من عدا على إلهنا الليلة .. فسكت أهله .. ففزع واضطرب ..وخرج يبحث عنه ..فوجده منكساً على رأسه في الحفرة..فأخرجه وطيبه وأعاده لمكانه..وقال له : أما والله يا مناف لو علمتُ من فعل هذا لأخزيته ..فلما كانت الليلة الثانية أقبل أبناؤه إلى الصنم .. فحملوه وألقوه في تلك الحفرة المنتنة .. فلما أصبح الشيخ التمس صنمه .. فلم يجده في مكانه .. فغضب وهدد وتوعد .. ثم أخرجه من تلك الحفرة فغسله وطيبه ..ثم ما زال الفتية يفعلون ذلك بالصنم كل ليلة وهو يخرجه كل صباح فلما ضاق بالأمر ذرعاً راح إليه قبل منامه وقال : ويحك يا مناف إن العنز لتمنع أُسْتَها ..ثم علق في رأس الصنم سيفاً وقال : ادفع عدوك عن نفسك ..فلما جَنَّ الليلُ حمل الفتيةُ الصنم وربطوه بكلب ميت وألقوه في بئر يجتمع فيها النتن .. فلما أصبح الشيخ بحث عن مناف فلما رآه على هذا الحال في البئر قال : ورب يبـول الثعلبـان برأسه *** لقد خاب من بالت عليه الثعالب
ثم دخل في دين الله .. وما زال يسابق الصالحين في ميادين الدين ..وانظر إليه لما أراد المسلمون الخروج إلى معركة بدر .. منعه أبناؤه لكبر سنه وشدة عرجه .. فأصر على الخروج للجهاد.. فاستعانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالبقاء في المدينة .. فبقي فيها ..فلما كانت غزوة أحُد .. أراد عمرو الخروج للجهاد .. فمنعه أبناؤه .. فلما أكثروا عليه .. ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. يدافع عبرته ويقول : ( يا رسول الله إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد قال : إن الله قد عذرك .. فقال يا رسول الله والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ..فأذن له صلى الله عليه وسلم بالخروج .. فأخذ سلاحه وقال : اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي .. فلما وصلوا إلى ساحة القتال .. والتقى الجمعان وصاحت الأبطال ورميت النبال .. انطلق عمرو يضرب بسيفه جيش الظلام ويقاتل عباد الأصنام حتى توجه إليه كافر بضربة سيف كـُتِبَت له بها الشهادة ..فدفن رضي الله عنه .. ومضى مع الذين أنعم الله عليهم ..وبعد ست وأربعين سنة في عهد معاوية رضي الله عنه نزل بمقبرة شهداء أحد سيل شديد غطّى أرض القبور فسارع الم سلمون إلى نقل رُفات الشهداء .. فلما حفروا عن قبر عمرو بن الجموح فإذا هو كأنه نائم ليّن جسده تتثنى أطرافه .. لم تأكل الأرض من جسده شيئاً .
وكذا قصة إسلام أسَيْد بن الحُضَير بن سمّاك الأوسي الأنصاري أبوه حضير الكتائب زعيم الأوس ، وكان واحدا من أشـراف العـرب في الجاهلية وورث أسيد عن أبيـه مكانته وشجاعته وجـوده ، فكان قبل إسلامه من زعماء المدينة وأشـراف العـرب ، ورماتها الأفذاذ ، كان أحد الاثني عشـر نقيباً حيث شهد العقبـة الثانية ، وشهد أحداً وثبت مع الرسـول الكريم حيث انكشف الناس عنه وأصيب بسبع جراحات إسلامه أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلم المسلمين الأنصار الذين بايعوا الرسول في بيعة العقبة الأولى ، وليدعو غيرهم إلى الإيمان ، ويومئذ كان يجلس أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وكانا زعيمي قومهما يتشاوران بأمر الغريب الآتي ، الذي يدعو لنبذ دين الآباء والأجداد وقال سعد الإسلام الفطرة اذهب إلى هذا الرجل وازجره ) وحمل أسيد حربته وذهب إلى مصعب الذي كان في ضيافة أسعد بن زرارة وهو أحد الذين سبقوا في الإسلام ، ورأى أسيد جمهرة من الناس تصغي باهتمام لمصعب -رضي الله عنه- ، وفاجأهم أسيد بغضبه وثورته ، فقال له مصعب الإسلام الفطرة هل لك في أن تجلس فتسمع ، فان رضيت أمرنا قبلته ، وان كرهته كففنا عنك ما تكره ) فقال أسيد الرجل الكامل بعد غرس حربته في الأرض : ( لقد أنصفت ، هات ما عندك ) وراح مصعب يقرأ من القرآن ، ويفسر له دعوة الدين الجديد ، حتى لاحظ الحاضرين في المجلس الإسلام في وجه أسيد قبل أن يتكلم ، فقد صاح أسيد مبهورا الإسلام الفطرة ما أحسن هذا الكلام وأجمله ، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟) فقال له مصعب : (تطهر بدنك ، وثوبك وتشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ) فقام أسيد من غير إبطاء فاغتسل وتطهر ، ثم سجد لله رب العالمين إسلام سعد وعاد أسيد إلى سعد بن معاذ الذي قال لمن معه الإسلام الفطرة أقسم ، لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به ) وهنا استخدم أسيد ذكاءه ليدفع بسعد إلى مجلس مصعب سفير الرسول لهم ، ليسمع ما سمع من كلام الله ، فهو يعلم بأن أسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ ، فقال أسيد لسعد الإسلام الفطرة لقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وهم يعلمون أنه ابن خالتك ) وقام سعد وقد أخذته الحمية ، فحمل الحربة وسار مسرعا إلى أسعد حيث معه مصعب والمسلمين ، ولما اقترب لم يجد ضوضاء ، وإنما سكينة تغشى الجماعة ، وآيات يتلوها مصعب في خشوع ، وهنا أدرك حيلة أسيد فأسلم.
وقد رأينا كيف يميد العالم اليوم إذ تنكب سبيل الفطرة في نكد وضيق ، ولهاث لا يفتر ، مصداقاً لقول ربنا عزوجل \" وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ سورة طه\" .
( 2 ) الفطرة في الدعاء :
ويتجلى ذلك إذا ما نزل بالإنسان كرب أو حل به مكروه ، فيلجأ بقلبه خاشعاً إلى السماء سائلاً رب السماء أن ينجيه منها \"أ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) الروم .
وقال : \" هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) سورة يونس .
ومهما غطت العوارض هذه الفطرة فلا بد أن تبرز عند الشدائد ، حتى إن فرعون لما أدركه الغرق قال: \" آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) سورة يونس .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ ، وَكَانَ يَتَسَمَّعُ الأَذَانَ ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ ، وَإِلاَّ أَغَارَ ، فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : عَلَى الْفِطْرَةِ ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ. فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى. أخرجه أحمد 3/132(12376). و\"الدارِمِي\" و\"مسلم\" 2/3(776) .
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلِ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ، فَإِنْ مُِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ ، فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ ، قَالَ : فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا بَلَغْتُ : اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، قُلْتُ : وَرَسُولِكَ ، قَالَ : لاَ ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ.
أخرجه أحمد 4/290(18760) \"البُخَارِي\" 1/71(247) و\"مسلم\" 8/77(6981) .
وعن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قال : أَوْصَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً ، إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ ، أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ، فَإِنْ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ.
أخرجه \"الدارِمِي\" 2683 و\"البُخَارِي\" 8/85(6313) و\"مسلم\" 8/77(6984) و\"النَّسائي\" ، في \"عمل اليوم والليلة\" 773 .